في الأيام القديمة، وجدت إسرائيل نفسها في عصر مضطرب يُعرف بفترة القضاة. لقد كان وقت عدم اليقين والاضطراب، حيث فعل كل شخص ما هو صواب في نظره. لقد ابتعد شعب إسرائيل عن إرشاد الله، وأغرقوا أنفسهم في دائرة من الخطية والظلم. تميزت هذه الفترة بالفوضى، حيث كانت الأمة تكافح من أجل إيجاد موطئ قدم لها روحيا وسياسيا.
وسط هذه الخلفية المضطربة يظهر النبي صموئيل، وهو شخصية مقدر لها أن تكون عظمة منذ ولادته. تبدأ قصة صموئيل مع أمه حنة التي اشتاقت إلى طفل بحماسة حركتها روحها. وفي يأسها، قطعت عهدًا رسميًا على تكريس طفلها لخدمة الله إذا منحها نعمة الأمومة. وبأعجوبة استجابت صلواتها، وولد صموئيل عطية من القدير.
وكانت تربية صموئيل فريدة من نوعها، إذ تربى في حضرة عالي الكاهن في خيمة الاجتماع في شيلوه. منذ صغره، خدم صموئيل في بيت الرب، وتعلم طرق العبادة والتقوى. وفي هذه البيئة المقدسة تشكل قلب صموئيل وأصبحت أذناه متناغمتين مع صوت الله.
مع نمو صموئيل، كذلك زاد إحساسه بالدعوة. وفي لحظة حاسمة، نادى الله صموئيل في سكون الليل، وميزه كنبي لأمة إسرائيل. ومن تلك اللحظة فصاعدا، أصبحت حياة صموئيل متشابكة مع مصير شعبه، حيث أصبح منارة الأمل في زمن الظلام واليأس.
طفولة صموئيل ودعوته:
ذات مرة، في أرض إسرائيل، عاشت امرأة اسمها حنة. وكانت امرأة مؤمنة، ولكن مثقلة القلب، إذ لم تكن قادرة على الإنجاب. يومًا بعد يوم، سكبت حنة نفسها للرب، طالبة أن يكون لها طفل. وفي معاناتها، قطعت نذرًا رسميًا، ووعدت بتكريس طفلها لخدمة الله إذا وافقها على هذا الطلب.
وبأعجوبة سمع الله صلاة حنة، وحبلت ابناً. فغمرها الفرح فدعت الطفل صموئيل الذي يعني “سمعه الله”. لم تكن ولادة صموئيل سوى تدخل إلهي، وشهادة على أمانة الله لأولئك الذين يثقون به.
وفية لكلمتها، كرست حنة صموئيل لخدمة الله منذ طفولته. وأتت به إلى المسكن في شيلوه حيث كان عالي الكاهن يخدم أمام الرب. وهناك قدمت صموئيل لعالي قائلة: “لأَجْلِ هذَا الصَّبِيِّ صَلَّيْتُ فَأَعْطَانِيَ الرَّبُّ سُؤْلِيَ الَّذِي سَأَلْتُهُ مِنْ لَدُنْهُ. وَأَنَا أَيْضًا قَدْ أَعَرْتُهُ لِلرَّبِّ. جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ هُوَ عَارِيَّةٌ لِلرَّبِّ». وَسَجَدُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ.” ( صموئيل الأول الأصحاح الأول : الأيات من 27 الى 28).
وهكذا نشأ صموئيل في حضرة الرب، وكان يخدم في الخيمة تحت إرشاد عالي. حتى عندما كان صموئيل طفلاً، كان معروفًا بإخلاصه وطاعته لله. لم يكن يعلم أن الله كان لديه خطة خاصة له، وهي دعوة ستميزه كنبي وقائد لشعبه.
وفي إحدى الليالي المصيرية، بينما كان صموئيل نائمًا في الهيكل، سمع صوتًا يناديه: “صموئيل! صموئيل!” معتقدًا أنه عالي، أسرع صموئيل إلى جانب الكاهن العجوز قائلاً: “ها أنا ذا، لقد دعوتني”. ولكن عالي لم يدعوه، لأن صوت الله هو الذي كلم صموئيل.
حدث هذا ثلاث مرات، حتى أدرك عالي أن الرب هو الذي يدعو الصبي. وأوصى صموئيل قائلا: «فَقَالَ عَالِي لِصَمُوئِيلَ: «اذْهَبِ اضْطَجعْ، وَيَكُونُ إِذَا دَعَاكَ تَقُولُ: تَكَلَّمْ يَا رَبُّ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ». فَذَهَبَ صَمُوئِيلُ وَاضْطَجَعَ فِي مَكَانِهِ. فَجَاءَ الرَّبُّ وَوَقَفَ وَدَعَا كَالْمَرَّاتِ الأُوَلِ: «صَمُوئِيلُ، صَمُوئِيلُ». فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «تَكَلَّمْ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ»» صموئيل الأول الأصحاح الثالث : الأيات من 9 الى 10.
في تلك اللحظة، تغيرت حياة النبي صموئيل إلى الأبد. لقد اختاره الله ليكون لسان حاله، ونبيًا يعلن كلمته لشعب إسرائيل. ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا، أصبحت أذنا صموئيل مندمجتين مع صوت الله، وكان قلبه مستعدًا لطاعة كل وصاياه.
صموئيل كقاضي ونبي:
في سجلات تاريخ إسرائيل، يقف النبي صموئيل كشخصية بارزة، لا يخدم كنبي فحسب، بل كقاضي أيضًا. وكان دوره المزدوج حاسما في وقت كانت فيه الأمة في أمس الحاجة إلى التوجيه الروحي والقيادة الصالحة. كقاض، تم تكليف صموئيل بإقامة العدل وإعلاء شرائع الله بين الناس. وقد اتسمت أحكامه بالحكمة والنزاهة، مما أكسبه احترام وإعجاب كل من طلب مشورته.
ولم تقتصر قيادة صموئيل على قاعة المحكمة؛ كما لعب دورًا محوريًا في إعادة النظام والصلاح إلى أمة ابتليت بالانحلال الأخلاقي. خلال خدمته النبوية، تكلم صموئيل بكلمة الرب بجرأة ووضوح، داعيًا الشعب إلى التوبة والطاعة. لم يكن من السهل دائمًا سماع رسائله، لكنها كانت دائمًا ترتكز على الحق والبر.
كان أحد أعظم إنجازات صموئيل هو الإشراف على الانتقال من فترة القضاة إلى تأسيس الملكية في إسرائيل. وفي الوقت الذي كانت فيه الأمة تطالب بملك ليقودها، كان النبي صموئيل بمثابة وسيط الله، حيث قاد الشعب في بحثهم عن حاكم. وعلى الرغم من تحفظاته حول فكرة الملكية، أطاع صموئيل أمر الله ومسح شاول كأول ملك لإسرائيل. ومن خلال هذا الفعل، مهد صموئيل الطريق للملكية مع ضمان بقاء الله صاحب السلطة المطلقة على شعبه.
كانت فترة ولاية صموئيل كقاضي ونبي بمثابة نقطة تحول حاسمة في تاريخ إسرائيل. إن التزامه الثابت بشريعة الله وتفانيه الذي لا يتزعزع تجاه شعبه مهدا الطريق لعصر جديد من القيادة في إسرائيل. على الرغم من أن زمن صموئيل على الأرض قد مضى منذ فترة طويلة، إلا أن إرثه لا يزال يلهم المؤمنين للبحث عن العدالة، والسعي إلى البر، والاستماع إلى صوت الله في حياتهم.
مسح شاول ملكاً.
في الأيام التي طالب فيها إسرائيل بملك ليقودهم، جاء إرشاد الله إلى صموئيل النبي الأمين. وفي وسط صرخات الشعب من أجل ملك يملك عليهم، طلب صموئيل مشورة الرب بجدية. عندها تكلم الله، وأمر صموئيل بمسح شاول، وهو بنياميني، كأول ملك لإسرائيل. كان هذا المرسوم الإلهي بمثابة تحول كبير في الحكم في إسرائيل، والانتقال من عصر القضاة إلى عصر الملكية.
شاول، رجل متواضع من سبط بنيامين، اختاره الله بمسحة النبي صموئيل. في البداية، بدا شاول مرشحًا غير محتمل للملكية، لكن الله رأى فيه القدرة على قيادة شعبه. عندما تولى شاول عباءة الملك، واجه عددًا لا يحصى من التحديات. من المعارك ضد أعداء إسرائيل إلى الصراعات الداخلية مع كبريائه وانعدام الأمن، كان عهد شاول مليئًا بالصعوبات. على الرغم من انتصاراته الأولية وشعبيته بين الشعب، إلا أن عيوب شاول أدت في النهاية إلى سقوطه.
طوال فترة حكم شاول المضطربة، كان النبي صموئيل بمثابة الوسيط الأمين بين الملك والله. بصفته نبي الله، نقل صموئيل رسائل إلهية إلى شاول، وأرشده في أمور الحكم وطاعة أوامر الله. كان دور صموئيل كمرشد روحي حاسماً في جعل شاول مسؤولاً عن معايير الله وتذكيره بمسؤوليات الملكية. ومع ذلك، وعلى الرغم من جهود صموئيل لتوجيه شاول في الاتجاه الصحيح، فإن عصيان الملك وتمرده ضد إرادة الله سيؤدي في النهاية إلى نهايته المأساوية.
المواجهة مع شاول.
وفي ذروة حكم شاول، كأول ملك ممسوح لإسرائيل، ألقى عصيانه بظلاله على الأرض. على الرغم من تحذيرات النبي صموئيل وأوامر الله الصريحة، اختار شاول أن يتصرف وفقًا لرغباته بدلاً من الخضوع لإرادة الله القدير. سواء كان الأمر يتعلق بإنقاذ ملك العماليق أجاج أو تقديم ذبائح لم يأذن بها الله، فإن عصيان شاول كشف عن قلب قد انحرف بعيدًا عن طريق الله.
عندما واجه صموئيل شاول بخطاياه، كان اللقاء مشحونًا بالتوتر والحزن. صموئيل، الذي كان ذات يوم مرشدًا ومرشدًا لشاول، أصبح الآن يقف أمامه كحامل لدينونة الله. وبقلب مثقل، ألقى صموئيل توبيخ الرب، معلنًا أن مملكة شاول لن تدوم، وأن الله طلب رجلاً حسب قلبه ليحل محله. وعلى الرغم من التماسات شاول للمغفرة ومحاولاته تبرير أفعاله، إلا أن عواقب عصيانه كانت لا رجعة فيها.
وبينما كان حكم شاول يتدهور، حزن النبي صموئيل بسبب التحول المأساوي للأحداث. لقد شهد بنفسه إمكانية العظمة في شاول، إلا أن عصيانه أدى إلى سقوطه. لم يحزن صموئيل على شاول فحسب، بل أيضًا على أمة إسرائيل التي أضلها ملكها. وعلى الرغم من حزنه، ظل صموئيل أمينًا لمقاصد الله، واستمر في التشفع من أجل الأمة ومسح داود كخليفة لشاول، الرجل الذي اختاره الله لقيادة شعبه.
مسح داود ملكاً.
عندما غربت الشمس على عهد شاول المضطرب، ألقى رفض الله له كملك بظلاله الكئيبة على أرض إسرائيل. ولكن وسط الظلام، ظهر بصيص من الأمل في صورة صموئيل، نبي الله الأمين. بتكليف من الله تعالى، شرع صموئيل في مهمة مسح ملك إسرائيل القادم، الذي سيكون رجلاً حسب قلب الله. وبتوجيه من الحكمة الإلهية، سافر صموئيل إلى بيت لحم، حيث وجد المختار بين أبناء يسى.
وفي بيت لحم، وقف صموئيل أمام يسى وبنيه، يطلب الشخص الذي عينه الله. مر أبناء يسى أمام صموئيل واحدًا تلو الآخر، ويبدو أن كل منهم يناسب قالب الملكية. ومع ذلك فإن داود، أصغرهم سناً وأكثرهم احتمالاً، هو الذي نال رضا الله. في لحظة مقدسة، مسح صموئيل داود بالزيت، مما جعله ملك الله المختار على إسرائيل. لم يكن داود يعلم أن هذه المسحة ستكون حافزًا لصعوده إلى الشهرة وحكمه في نهاية المطاف كملك.
منذ لحظة مسحه، اكتسبت حياة داود أهمية جديدة. ورغم أنه كان لا يزال مجرد فتى راعي، إلا أنه حمل في داخله الدعوة الإلهية لقيادة شعب الله. بشجاعة وإيمان، واجه داود التحديات التي كانت تنتظره، واثقًا في عناية الله لإرشاده. وبينما صعد إلى مكانة بارزة في إسرائيل، فإن أمانة داود واستقامته جعلته محبوبًا لدى الله والناس، مما جعله مميزًا كقائد مستحق للعرش.
طوال سنواته الأولى، عمل النبي صموئيل كمرشد ومستشار ثابت لداود. وفي أوقات الاضطرابات وعدم اليقين، زوَّد صموئيل الحكمة والمشورة، وساعد داود على الإبحار في المياه الغادرة لمؤامرات القصر والصراع السياسي. وبتوجيه من صموئيل، نما داود في مكانته وقوته، واكتسب المهارات التي جعلته ذات يوم ملكًا جبارًا. على الرغم من أن وقتهم معًا كان قصيرًا، إلا أن الرابطة بين صموئيل وداود تشكلت في نيران الشدائد، وهي شهادة على قوة الإيمان والصداقة الدائمة.
إرث النبي صموئيل.
إن إرث النبي صموئيل، النبي والقاضي في إسرائيل، يتردد صداه في سجلات تاريخ الكتاب المقدس، مما يترك علامة لا تمحى على الأمة . لقد امتد تأثيره إلى ما هو أبعد من حياته، فشكل مصير إسرائيل وأرشد شعبها نحو هدف الله. من خلال التزامه الذي لا يتزعزع بوصايا الله وتفانيه الدؤوب في البر، أصبح صموئيل منارة الرجاء في زمن الظلمة والانحدار الأخلاقي.
كخادم أمين ونبي لله، فإن إرث النبي صموئيل هو طاعة ثابتة وإخلاص لا يتزعزع. على الرغم من التحديات والشكوك التي واجهها، ظل صموئيل ثابتًا في إخلاصه لله، ولم يتردد أبدًا عن طريق البر. وكانت حياته بمثابة مثال قوي لما يعنيه العيش في طاعة لإرادة الله، حتى في مواجهة الشدائد.
علاوة على ذلك، كان تواضع النبي صموئيل سمة مميزة لحياته وخدمته. على الرغم من مكانته الرفيعة كنبي وقاضي، ظل صموئيل متواضعًا أمام الله، معترفًا بحدوده واعتماده على الله القدير. لقد سمح تواضعه لله أن يعمل من خلاله بطرق عظيمة، مظهرًا قوة القلب المستسلم.
إن الدروس المستفادة من حياة النبي صموئيل خالدة وذات صلة بالمؤمنين اليوم. ويعلمنا مثاله أهمية طاعة وصايا الله، حتى عندما تكون صعبة أو غير شعبية. إن أمانة صموئيل تذكرنا بأهمية البقاء ثابتين في إخلاصنا لله، والثقة في وعوده وأمانته. ويتحدانا تواضعه أن نضع جانبًا كبرياءنا وغرورنا، وندرك حاجتنا إلى نعمة الله وإرشاده في كل شيء. في حياة صموئيل، نجد مخططًا للحياة الأمينة وتذكيرًا بالقوة التحويلية للحياة المستسلمة لإرادة الله.
عندما نختتم قصة النبي صموئيل، فإن أهميته في تاريخ الكتاب المقدس تلوح في الأفق مثل ظل شجرة عظيمة. منذ ولادته المعجزية إلى مسحه للملوك ودوره كنبي وقاضي مخلص، كانت حياة النبي صموئيل بمثابة شهادة على قوة عناية الله وأهمية طاعة إرادته. من خلال صموئيل، أرشد الله شعبه خلال أوقات الظلمة وعدم اليقين، مذكّراً إياهم بأمانته ومحبته الثابتة.
ومع ذلك، فإن قصة النبي صموئيل ليست مجرد بقايا من الماضي، ولكنها مصدر لدروس دائمة للمؤمنين اليوم. تعلمنا حياته أهمية الاستماع إلى صوت الله واتباع إرشاده، حتى عندما يقودنا ذلك إلى طرق غير مألوفة. إن إخلاص صموئيل وتواضعه الذي لا يتزعزع يذكرنا بالصفات التي يقدرها الله أكثر في خدامه، مما يشجعنا على تنمية قلب الطاعة والاستسلام لإرادته.
عندما نتأمل في حياة النبي صموئيل، فعلينا أن نطلب إرشاد الله في كل ما نقوم به، واثقين في حكمته وأمانته ليقودنا في طريق البر. وكما خدم صموئيل الله بأمانة في وقته، كذلك يمكننا أيضًا أن نكون أدوات لنعمته ومحبته في حياتنا. نرجو أن نستمع إلى دروس حياة النبي صموئيل ونتبع خطواته، ونسير في طاعة وتواضع أمام خالقنا وملكنا.