آية اليوم
وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ عَلَى مِثَالِ الْمَسِيحِ الَّذِي أَحَبَّنَا وَبَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا تَقْدِمَةً وَذَبِيحَةً لِلهِ طَيِّبَةَ الرَّائِحَةِ.
أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني

أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني: أغبى سؤال يطرحه المسلمون

سنتحدث عن أحد الأسئلة التي يثيرها العديد من المسلمين، وهو: “أين قال المسيح: أنا هو الله فاعبدوني؟”.

الكثير من المسلمين يطرحون سؤالا مشهورا: “أين قال المسيح: أنا هو الله فاعبدوني؟” ويعتبرون هذا السؤال تحديا للإيمان المسيحي. ولكن، هل فعلا هذا السؤال منطقي؟ وكيف يرد عليه اللاهوت المسيحي؟ تعالوا نفهم أكثر ولماذا يعتبر هذا السؤال أغبى سؤال يطرح على المسيحيين.

المغالطة الموجودة في السؤال أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني

هذا السؤال ينبثق من خلفية دينية معينة تتمثل في المفاهيم الإسلامية، حيث يتمحور الإيمان الإسلامي حول التوحيد المطلق لله، دون إمكانية تجسده في صورة بشرية. في الفكر الإسلامي، يعتبر التصريح الصريح والواضح مفتاحا لفهم الحقائق الدينية. وبهذا المفتاح يرى كثير من المسلمين أنه إذا كان المسيح الله، فيجب أن يقول ذلك بلغة مباشرة وصريحة، كأن يقول “أنا هو الله، فاعبدوني” دون إشارة ضمنية أو مفهوم باطني.

وفي هذه الخلفية، ينظر السائل إلى الأمور الدينية من منطق تقليدي صارم، يركز على الألفاظ والعبارات المباشرة. فيتطلب أن يكون هناك إثبات صريح للدعاوى الكبرى كالألوهية، ويرى أن عدم وجود تصريح واضح مثل هذا يعتبره دليلا على نفي ألوهية المسيح.

إن النظر إلى الأمور الدينية من منطق تقليدي صارم، يركز على الألفاظ المباشرة فقط، يعتبر منطقا غير منطقي وساذجا. لماذا؟ لأن المعاني الدينية والحقائق الروحية لا تتجلى دائما في ألفاظ محددة ومباشرة، وإنما تتضمن أبعادا عقلية وروحية تفوق كل تفسير حرفي.

فإذا كانت الأمور الروحية تحتاج في كل مرة إلى تصريح واضح ومباشر، فسيكون ذلك حدا من قدرة الإنسان على فهم الحقائق الإلهية التي لا يمكن أن تحدد بكلمات بشرية وحرفية فقط. لا ننسى أن الأقوال النبوية في الكتاب المقدس، تحمل معاني تفوق المعنى الحرفي، وأحيانا تتمثل في رموز وإشارات تفوق الطاقة البشرية على الفهم المباشر.

إذا تأملنا في حقيقة أن الكتاب المقدس مثلا، يحمل مفاهيم روحية عميقة لا تتجسد في كلمات صريحة واضحة في كل موضع، فستتضح لنا سذاجة الطريقة التي يطلب بها البعض تصريحا مباشرا بألوهية المسيح. فالمسيح، في حد ذاته، قد قال كلمات وأعمالا تثبت ألوهيته لمن يفهمها دون الحاجة إلى التصريح الحرفي.

وإذا تأملنا في فكر الله نفسه، نجد أنه لا يخاطب الناس بحرفية، بل يخاطبهم بأمور تحتاج إلى عقل وروح لتدبيرها.

يظهر أن السؤال: “أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني؟” يعتبر ناتجا عن سوء فهم جذري لطبيعة المسيح كما يقدمها الكتاب المقدس. في الإيمان المسيحي، المسيح هو الكلمة المتجسدة، ولكنه لا يستعمل الطرق البشرية في إثبات ألوهيته. إنه لا يبحث عن تصديق الناس من خلال إطلاق تصريحات مباشرة تدعو إلى عبادته، كما قد يتوقع البشر. بل على العكس من ذلك، يختار المسيح أن يعرف نفسه بطريقة فريدة تحتم على كل من يفكر في أعماله وأقواله أن يستنتج الحقيقة دون الحاجة إلى تصريح حرفي.

هذا النهج الذي اتبعه المسيح يعبر عن حكمة إلهية عالية؛ فهو لم يرد أن يتحول إيمان الناس إلى رد فعل لفظي أو تصريح بشري صريح، بل أراد أن يكون إيمانهم ناتجا عن تأمل عميق في أقواله ومجد أعماله. ففي إظهاره ألوهيته، اختار أن يسمح للناس بأن يستخلصوا الحق بطريقة تتفوق على كل تصور بشري محدود.

فكل من يحاول أن يحصر المسيح في إطار بشري ضيق أو أن يفهم كيفية إظهاره لألوهيته في ضوء المعتادات البشرية، يجد نفسه في موقف غير كاف لفهم مجد المسيح الحقيقي.

أين قال المسيح أنا الله

مفهوم المسيح عن الألوهية.

لم يكن المسيح في حاجة لأن يقول بصراحة “أنا الله”، فأعماله وأقواله كانت تفي بالغرض وتفوق كل تصريح لفظي. إذا نظرنا إلى حياته، نجد أنه لم يظهر ألوهيته بمجرد الأقوال، بل أظهرها بطريقة عملية تفاجئ العقول وتسحر الأنظار. فأحياء الموتى، وشفاء المرضى، ومغفرة الخطايا هي أمور لا يقدر عليها إلا الله نفسه، وهذه الأعمال كانت تفعل أكثر مما يمكن للكلمات أن تؤديه.

في كل مرة كان المسيح يجري معجزة، كان يظهر أنه لا يعمل كمجرد نبي أو معلم، بل يعمل بسلطة إلهية لا تملكها إلا قدرة الله. في كلامه، كان يتحدث كمن يملك السلطان المطلق على الحقيقة والشريعة، وفي أعماله كان يكشف أن هذا السلطان الإلهي ليس مجرد كلام، بل حقيقة ملموسة.

إذا تفكرنا في مفهوم المسيح للألوهية، نجد أنه كان يعتبر الأعمال أقوى من الأقوال. لذلك، لم يكن في حاجة للتصريح المباشر الذي يقدمه للناس بصورة بشرية. بل إن كل معجزة وكل تعليم كانا في ذاتهما تصريحا أعظم من أي كلمات مكتوبة، يؤكد بها أنه هو الله المتجسد، وهذه الحقيقة تفوق كل تصور بشري.

إذا كان فرعون قال إنه الرب، فلماذا لا يعبدونه؟

في سورة النازعات، الآية (24) تلقي الضوء على دعوى فرعون الزائفة، حيث قال: “أنا ربكم الأعلى”. هذه الدعوى تثير إشكالية كبيرة عند التحليل العقلي، وتفتح الباب أمام سؤال منطقي للمسلمين: إذا كان فرعون قد زعم أنه إله، فلماذا لم يتبعه المسلمون ولم يعبدوه كإله؟ هل تكفي مجرد دعوى مثل هذه لتجعل الشخص إلها حقيقيا؟ الجواب البديهي هو: لا، لأن الإله الحقيقي يجب أن يقدم أدلة وبينات تثبت ألوهيته، وهذا ما لم يقدمه فرعون.

إذا نظرنا إلى سياق القرآن والتاريخ، نجد أن فرعون لم يكن يملك أي برهان على صدق ادعائه، فلم يحي الموتى ولم يشف المرضى ولم يغفر الخطايا، ولم يكن له أي قدرة تفوق القوى البشرية المألوفة. بل كان مجرد طاغية سعى لفرض سلطته على الناس بالقوة والقهر، وهذا لا يمكنه أن يصبح إلها في أعين العاقلين.

ومن هنا، يدرك الإنسان أن أي دعوى تحتاج إلى بينة قاطعة تدعمها، فلا يكفي أن يقول الشخص “أنا إله” دون أن يكون له الأدلة التي تثبت صدق هذه الدعوى. ولذلك، فإذا كان فرعون قد فشل في إثبات ألوهيته، فكيف يمكن أن نطلب من المسيح أن يجيب على تساؤلات بشرية تحاول إخضاع الألوهية لمجرد التصريح اللفظي؟

على النقيض، نرى في شخص المسيح نموذجا فريدا لمن يحمل مسؤولية أقواله. المسيح لم يحتج إلى إعلان ألوهيته بطريقة مباشرة، لأن أعماله كانت تتحدث عنه. عندما شفى المرضى، وأحيا الموتى، وغفر الخطايا، كان يقوم بأعمال لا يقدر عليها إلا الله.

في هذا المعنى، المسيح لم يكن بحاجة إلى التصريح، فأعماله كانت هي التصريح بنفسه. إذا كان فرعون قد ادعى كذبا أنه “رب”، فإن المسيح قدم دليلا بلا مثيل على ألوهيته. وعلى الرغم من أن المسيح لم يقل: “اعبدوني” بصراحة، فإن كل ما فعله كان يدل على أنه الله.

في الحقيقة، الإيمان بالله والرسل لا يبنى على ما يقوله الشخص بلسانه فقط، بل يجب أن يتجسد هذا القول في أعمال حقيقية. فرعون قال: “أنا ربكم الأعلى”، ولكنه كذب في دعواه، ولم يظهر على يديه أي دليل يدعم ما يدعيه.

في المقابل، الإيمان بالمسيح لا يقتصر على قبول أقواله فقط، بل على مشاهدة ما أنجزه في حياته من معجزات وأعمال. هذه الأعمال هي الشاهد الأكبر على أنه ليس مجرد إنسان، بل إنه الله الذي تجسد.

الإيمان المسيحي

لماذا لم يقل المسيح حرفيا “أنا الله فاعبدوني”؟

الاختلاف في الثقافة الدينية.

كانت الثقافة الدينية في زمن المسيح تختلف كثيرا عما نعيشه في الوقت الحاضر. ففي المجتمع اليهودي القديم، كانت التصريحات المتعلقة بالألوهية تمثل محظورا كبيرا. إذا نظرنا إلى الشريعة اليهودية، نجد أنها كانت تعاقب بالموت كل من يدعي أنه الله دون أي برهان مقنع. ففي سفر اللاويين الإصحاح 24: الآية  16، يؤكد النص قائلا: “ومن جدف على اسم الرب فإنه يقتل قتلا”. هذا النص يظهر وضوح عقوبة كل من يسيء إلى ألوهية الله بالتجديف.

لذلك، كانت الحساسية مرتفعة لكل ما يمس بأصل الإيمان بالتوحيد في ذلك الوقت. فإذا أتى أحد وصرح بأنه الله بطريقة مباشرة، سوف يعتبر ذلك تجديفا ويعرض نفسه للتبعات القانونية الشديدة. وهذا ما نراه بوضوح في رد فعل القيادة الدينية في زمن المسيح عندما فسروا كلامه على أنه يجعل نفسه مساويا لله، فقالوا في إنجيل يوحنا الإصحاح 10: الآية 33): “لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها”.

وإذا تأملنا في موقف المسيح أثناء محاكمته، نجد أن رؤساء الكهنة سألوه صراحة: “هل أنت المسيح، ابن الله؟” متى الإصحاح  26: 63. وبالرغم من أن إجابة المسيح جاءت بشكل غير مباشر، إلا أنها كانت واضحة، إذ قال لهم: “أنت قلت” الأية 64، مما أدى إلى توجههم فورا للحكم عليه بالتجديف.

وعلى هذا الأساس، لم يكن المسيح في حاجة إلى القول المباشر “أنا الله”، لأنه كان يعلم تمام المعرفة مخاطر ذلك التصريح في سياق الثقافة الدينية لذلك العصر.

الرد على الشبهات

الأعمال أعظم من الأقوال.

إذا نظرنا إلى حياة المسيح، فإننا نجد أنه أظهر ألوهيته من خلال أعماله التي تفوق الإدراك البشري. فالمسيح لم يكن يحتاج إلى تصريحات لفظية ليثبت للناس من هو؛ لأن كل معجزة قام بها كانت دليلا قاطعا على ألوهيته. قام بإحياء الموتى، وهذا ما لا يفعله إلا الله. فإذا أراد شخص ما إثبات قدرته الإلهية، فكيف يمكنه أن يفعل ذلك بطريقة أكثر إقناعا من القيام بمعجزات تتجاوز الطبيعة الإنسانية؟ ولذلك، أكد المسيح من هو في أفعاله قبل أقواله.

الأسئلة الشائعة حول:

 هل قال المسيح أنا هو الله صراحة في الكتاب المقدس؟

لا، المسيح لم يقل بصراحة “أنا الله”، ولكنه صرح بأمور تدل على ألوهيته بشكل غير مباشر. ففي (يوحنا 10: 30) قال: “أنا والآب واحد”، وفي (يوحنا 8: 58) قال: “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”. هذه التصريحات تحمل معاني عميقة عن طبيعته الإلهية.

 لماذا لم يصرح المسيح بألوهيته بشكل مباشر؟

المسيح كان يعي تماما أن مجتمعه اليهودي يعتبر أي تصريح مباشر بالألوهية جحدا وكفرا يستحق العقاب الشديد. لذلك، كانت طريقته في إظهار ألوهيته تعتمد على الأقوال والأعمال التي تفسر طبيعته بشكل عميق، مثل غفرانه للخطايا وإجرائه معجزات.

هل يستطيع أحد غير الله أن يغفر الخطايا؟

في التعاليم اليهودية، لا يغفر الخطايا إلا الله وحده. ولكننا نرى في (مرقس 2: 5-7) أن المسيح يغفر الخطايا، وهذا يثبت أنه يتصرف بسلطة إلهية تخص الله وحده.

 ما هي أبرز النصوص التي تثبت ألوهية المسيح؟

من النصوص البارزة:

(يوحنا 1: 1): “وكان الكلمة الله.”
(يوحنا 8: ٥8): “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن.”
(يوحنا 10: 30): “أنا والآب واحد.”
هذه الآيات تظهر طبيعة المسيح الإلهية بوضوح.

 لماذا ينكر بعض الناس ألوهية المسيح؟

الذين ينكرون ألوهية المسيح يعتمدون على التفسير الحرفي للنصوص، ويركزون على عدم وجود تصريح مباشر في إنجيل المسيح يقول فيه: “أنا الله”. وهذا ناتج عن عدم الفهم العميق للنصوص وطريقة تعبير المسيح عن طبيعته الإلهية.

الخاتمة

إخوتي المسلمين، أدعوكم إلى التفكر في مغزى السؤال الذي طرحتموه أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني. ليس كل شيء يفهم بالطلب الحرفي؛ أحيانا تكون الحقائق الروحية أعمق وأبعد مما تظنه الأقوال المباشرة. أحثكم على فتح قلوبكم للنظر في الأدلة الروحية والكتابية التي تبين ألوهية المسيح. لا تتعلقوا بالصور السطحية والتصريحات الحرفية، بل ابحثوا في أعماله وحياته التي تؤكد من هو.

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات بحساب الفايسبوك

مواضيع ذات صلة